سورة طه - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


قوله تعالى: {إِنَّه من يأت ربه مجرماً} يعني: مشركاً {فإنَّ له جهنم لا يموت فيها} فيستريح {ولا يحيى} حياة تنفعه.
أنشد ابن الأنباري في مثل هذا المعنى قوله:
أَلاَ مَنْ لِنَفْسٍ لاَ تَمُوتُ فَيَنْقَضي *** شَقَاهَا وَلاَ تَحْيَا حَياةً لَها طَعْمُ
قوله تعالى: {قد عمل الصالحات} قال ابن عباس: قد أدَّى الفرائض، {فأولئك لهم الدرجات العلى} يعني: درجات الجنة، وبعضها أعلى من بعض. والعلى، جمع العليا، وهو تأنيث الأعلى. قال ابن الأنباري: وإِنما قال: {فأولئك}، لأن {مَن} تقع بلفظ التوحيد على تأويل الجمع. فإذا غلب لفظها، وُحِّد الراجع إِليها، وإِذا بُيِّن تأويلها، جُمع المصروف إِليها.
قوله تعالى: {وذلك} يعني الثواب {جزاءُ من تزكى} أي: تطهَّر من الكفر والمعاصي.


قوله تعالى: {أن أَسْرِ بعبادي} أي: سِرْ بهم ليلاً من أرض مصر {فاضرب لهم طريقاً} أي: اجعل لهم طريقاً {في البحر يَبَساً} قرأ أبو المتوكل، والحسن، والنخعي: {يَبْساً} باسكان الباء. وقرأ الشعبي، وأبو رجاء، وابن السميفع: {يابساً} بألف. قال أبو عبيدة: اليبس، متحرك الحروف، بمعنى اليابس، يقال: شاة يبس، أي: يابسة ليس لها لبن. وقال ابن قتيبة: يقال لليابس: يَبَس، ويَبْس.
قوله تعالى: {لا تخاف} قرأ الأكثرون بألف. وقرأ أبان، وحمزة عن عاصم: {لا تخفْ}. قال الزجاج: من قرأ {لا تخاف}، فالمعنى: لست تخاف، ومن قرأ: {لا تخفْ}، فهو نهي عن الخوف. قال الفراء: قرأ حمزة: {لا تخفْ} بالجزم، ورفع {ولا تخشى} على الاستئناف، كقوله تعالى: {يُولُّوكم الأدبار ثم لا ينصرون} [آل عمران: 111] استأنف ب {ثم}، فهذا مثله، ولو نوى حمزة بقوله: {ولا تخش} الجزم وإِن كانت فيه الياء، كان صواباً. قال ابن قتيبة: ومعنى {دركاً} لحاقاً. قال المفسرون: قال أصحاب موسى: هذا فرعون قد أدركنَا، وهذا البحر بين أيدينا، فأنزل الله على موسى {لا تخاف دركاً} أي: من فرعون {ولا تخشى} غرقاً في البحر.
قوله تعالى: {فأَتْبَعهم فرعون} قال ابن قتيبة: لحقهم. وروى هارون عن أبي عمرو: {فاتَّبعهم} بالتشديد. وقال الزجاج: تبع الرجل الشيء، وأتبعه، بمعنى واحد. ومن قرأ بالتشديد، ففيه دليل على أنه اتبعهم ومعه الجنود. ومن قرأ {فأتبعهم}، فمعناه: ألحق جنوده بهم، وجائز أن يكون معهم على هذا اللفظ، وجائز أن لا يكون، إِلا أنه قد كان معهم. {فغشيَهم من اليم ما غشيَهم} أي: فغشيهم من ماء البحر ما غرَّقهم. وقال ابن الأنباري: ويعني بقوله: {ما غشيهم} البعض الذي غشيهم، لأنه لم يغشَهم كل مائِهِ. وقرأ ابن مسعود، وعكرمة، وأبو رجاء، والأعمش: {فغشَّاهم من اليم ما غشَّاهم} بألف فيهما مع تشديد الشين وحذف الياء.
قوله تعالى: {وأضل فرعونُ قومَه} أي: دعاهم إِلى عبادته {وما هدى} أي: ما أرشدهم حين أوردهم موارد الهلكة. وهذا تكذيب له في قوله: {وما أهديكم إِلا سبيل الرشاد} [غافر: 29].
قوله تعالى: {وواعدناكم جانبَ الطورِ الأيمنَ} لأخذ التوراة. وقد ذكرنا في [مريم: 52] معنى {الأيمن}، وذكرنا في [البقرة: 57] {المن والسلوى}.
قوله تعالى: {كلوا} أي: وقلنا لهم: كلوا.
قوله تعالى: {ولا تطغَوْا} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: لا تبطروا في نعمي فتظلموا.
والثاني: لا تجحدوا نعمي فتكونوا طاغين.
والثالث: لا تدَّخروا منه لأكثر من يوم وليلة.
قوله تعالى: {فيحلَّ عليكم غضبي} أي: فتجب لكم عقوبتي. والجمهور قرؤوا {فيحِل} بكسر الحاء {ومن يحلِل} بكسر اللام. وقرأ الكسائي: {فيحُل} بضم الحاء {ومن يحلُل} بضم اللام. قال الفراء: والكسر أحب إِليَّ، لأن الضم من الحلول، ومعناه: الوقوع، و{يحل} بالكسر، يجب، وجاء التفسير بالوجوب، لا بالوقوع.
قوله تعالى: {فقد هوى} أي: هلك.
قوله تعالى: {وإِني لغفَّار} الغفار: الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد أُخرى، فكلما تكررت ذنوبهم تكررت مغفرته، وأصل الغفر: الستر، وبه سمي زِئْبَر الثوب: غفراً، لأنه يستر سداه. فالغفار: الستار لذنوب عباده، المسبل عليهم ثوب عطفه.
قوله تعالى: {لمن تاب} قال ابن عباس: لمن تاب من الشرك {وآمن} أي: وحَّد الله وصدَّقه، {وعمل صالحاً} أدَّى الفرائض.
وفي قوله تعالى: {ثم اهتدى} ثمانية أقوال.
أحدها: علم أن لعمله هذا ثواباً، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: لم يشكّك، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: علم أن ذلك توفيق من الله له، رواه عطاء عن ابن عباس.
والرابع: لزم السنة والجماعة، قاله سعيد بن جبير.
والخامس: استقام، قاله الضحاك.
والسادس: لزم الإِسلام حتى يموت عليه، قاله قتادة.
والسابع: اهتدى كيف يعمل، قاله زيد بن أسلم.
والثامن: اهتدى إِلى ولاية بيت النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ثابت البناني.


قوله تعالى: {وما أعجلك عن قومك يا موسى} قال المفسرون: لما نجَّى الله تعالى بني إِسرائيل وأغرق فرعون، قالوا: يا موسى، لو أتيتنا بكتاب من عند الله، فيه الحلال والحرام والفرائض، فأوحى الله إِليه يَعِدُهُ أنه ينزل عليه ذلك في الموضع الذي كلَّمه فيه، فاختار سبعين، فذهبوا معه إِلى الطور لأخذ التوراة، فعَجِل موسى من بينهم شوقاً إِلى ربه، وأمرهم بلحاقه، فقال الله تعالى له: ما الذي حملك على العجلة عن قومك، {قال هم أولاء} أي: هؤلاء {على أثري}، وقرأ أبو رزين العقيلي، وعاصم الجحدري: {على إِثْري} بكسر الهمزة وسكون الثاء. وقرأ عكرمة، وأبو المتوكل، وابن يعمر، برفع الهمزة وسكون الثاء. وقرأ أبو رجاء، وأبو العالية: بفتح الهمزة وسكون الثاء. والمعنى: هم بالقرب مني يأتون بعدي {وعجلت إِليك ربِّ لترضى} أي: لتزداد رضىً، {قال فإنَّا قد فتنَّا قومك} قال الزجاج: ألقيناهم في فتنة ومحنة، واختبرناهم.
قوله تعالى: {من بعدك} أي: من بعد انطلاقك من بينهم {وأضلَّهم السامريّ} أي: كان سبباً لإِضلالهم. وقرأ معاذ القارئ، وأبو المتوكل، وعاصم الجحدري، وابن السميفع: {وأضلُّهم} برفع اللام. وقد شرحنا في [البقرة: 52] سبب اتخاذ السامري العجل، وشرحنا في [الأعراف: 150] معنى قوله تعالى: {غضبان أسفاً}.
قوله تعالى: {ألم يعدْكم ربكم وَعْداً حسناً} أي: صدقاً، وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: إِعطاء التوراة.
والثاني: قوله: {لئن أقمتم الصلاة} إِلى قوله: {لأكفِّرن عنكم سيآتكم...} الآية: [المائدة: 13]، وقوله: {وإِني لغفار لمن تاب} [طه: 82].
والثالث: النصر والظَّفَر.
قوله تعالى: {أفطال عليكم العهد} أي: مدة مفارقتي إِياكم {أم أردتم أن يحلَّ عليكم غضب من ربِّكم} أن تصنعوا صنيعاً يكون سبباً لغضب ربكم {فأخلفتم موعدي} أي: عهدي، وكانوا قد عاهدوه أنه إِن فكَّهم الله من مَلَكَة آل فرعون، أن يعبدوا الله ولا يشركوا به، ويقيموا الصلاة، وينصروا الله ورسله. {قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: بكسر الميم، وقرأ نافع، وعاصم: بفتح الميم. وقرأ حمزة، والكسائي: بضم الميم. قال أبو علي: وهذه لغات. وقال الزجاج: المُلْك، بالضم: السلطان والقدرة. والمِلْك، بالكسر: ما حوته اليد. والمَلْك، بالفتح: المصدر، يقال: ملكت الشيء أملكه ملكاً.
وللمفسرين في معنى الكلام أربعة أقوال.
أحدها: ما كنا نملك الذي اتُّخذ منه العجلُ، ولكنها كانت زينة آل فرعون، فقذفناها، قاله ابن عباس.
والثاني: بطاقتِنا، قاله قتادة، والسدي.
والثالث: لم نملك أنفسنا عند الوقوع في البليَّة، قاله ابن زيد.
والرابع: لم يملك مؤمنونا سفهاءنا، ذكره الماوردي.
فيخرَّج فيمن قال هذا لموسى قولان:
أحدهما: أنهم الذين لم يعبُدوا العجل.
والثاني: عابدوه.
قوله تعالى: {ولكنَّا حُمّلنا أوزاراً} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {حُمِّلْنا} بضم الحاء وتشديد الميم.
وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {حملنا} خفيفة. والأوزار: الاثقال. والمراد بها: حلي آل فرعون الذي كانوا استعاروه منهم قبل خروجهم من مصر. فمن قرأ {حُمِّلنا} بالتشديد، فالمعنى: حَمَّلنَا ها موسى، أمَرَنا باستعارتها من آل فرعون، {فقذفناها} أي: طرحناها في الحفيرة. وقد ذكرنا سبب قذفهم إِياها في سورة [البقرة: 52].
قوله تعالى: {فكذلك ألقى السامري} فيه قولان:
أحدهما: أنه ألقى حلياً كما ألقَوْا.
والثاني: ألقى ما كان معه من تراب حافر فرس جبريل. وقد سبق شرح القصة في [البقرة: 52]، وذكرنا في [الأعراف: 148] معنى قوله تعالى: {عجلاً جسداً له خوار}.
قوله تعالى: {فقالوا هذ إِلهكم} هذا قول السامري ومن وافقه من الذين افتُتنوا.
قوله تعالى: {فنسي} في المشار إِليه بالنسيان قولان:
أحدهما: أنه موسى. ثم في المعنى ثلاثة أقوال.
أحدها: هذا إِلهكم وإِله موسى فنسي موسى أن يخبركم أن هذا إِلهه، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثاني: فنسي موسى الطريق إِلى ربه، روي عن ابن عباس أيضاً.
والثالث: فنسي موسى إِلهه عندكم، وخالفه في طريق آخر، قاله قتادة.
والثاني: أنه السامري، والمعنى: فنسي السامريُّ إِيمانه وإِسلامه، قاله ابن عباس. وقال مكحول: فنسي، أي: فترك السامريُّ ما كان عليه من الدين. وقيل: فنسي أن العجل لا يرجع إِليهم قولاً، ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً. فعلى هذا القول، يكون قوله تعالى: {فنسي} من إِخبار الله عز وجل عن السامري. وعلى ما قبله، فيمن قاله قولان:
أحدهما: أنه السامريُّ.
والثاني: بنو إِسرائيل.
قوله تعالى: {أفلا يرون ألاَّ يرجعُ} قال الزجاج: المعنى: أفلا يرون أنه لا يرجع {إِليهم قولاً}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7